هنالك بعض الفنانين لا يمرون في هذه الحياة مرور الكرام ولا ينتهي تأثيرهم وسطوتهم الفنية بتوديع هذه الدنيا الفانية بل يظلون حاضرين مهما غابوا كجسد كان حاضرا بيننا.
الفنان محمود عبد العزيز الذي ودعنا اليوم (12-11-2016) من بين هؤلاء، إذ لا يمكن نسيان تلك الأدوار التي جسدها على الشاشتين الكبيرة والصغيرة واستطاع أن يخلق منها شخوصا من لحم ودم، نشاهدها ونعيد مشاهدتها بدون ملل وبمتعة تتجدد مرة بعد أخرى ومشاهدة بعد مشاهدة.
إذ لن نمل من مشاهدة "الشيخ حسني" الذكي والخفيف الظل في الفيلم الجيد "الكيت كات" للمخرج الكبير داوود عبد السيد، ولن ننسى دور الساحر في آخر فيلم بنفس الإسم للمخرج الذي غادر حياتنا قبل الأوان رضوان الكاشف، ولا دوره في فيلم "العار" لعلي عبد الخالق وذلك المشهد الختامي حين يطلق ضحكته الهستيرية وقد أصابه الجنون.
أما مسلسل "رأفت الهجان" فربما من المسلسلات التي ظلت تُعرض باستمرار على القنوات العربية منذ ثلاثين سنة خلت ولحد الآن منافسا كل ماصُنع بعده من دراما تلفزيونية، ويمكن لي الجزم أن الجزء الأكبر من نجاح هذا المسلسل يعود للأداء الجيد جدا للعبقري محمود عبد العزيز وليس لشيء آخر.
ابتدأ محمود عبد العزيز في التمثيل كنجم في أفلام رومانسية خلال سبعينيات القرن الماضي، لكنه ظل يجدد صورته كممثل بعد ذلك باستمرار بخلاف بعض أبناء جيله الآخرين. وقد شهدت سنوات الثمانينات طفرة مهمة بالنسبة لأداء محمود عبد العزيز في أدوار جد مهمة في أفلام ك"البريء" لعاطف الطيب في دور الضابط السادي والعنين، و "الصعاليك" أول الأفلام الروائية الطويلة لداوود عبد السيد في دور صعلوك يصعد من القاع "للقمة"، ثم بعد ذلك في دور مختلف تماما فيلم فيلم "الجوع" لعلي بدرخان. دون نسيان أدوار مهمة أخرى بعد ذلك خلال التسعينيات والألفية الثانية كدوره في فيلم "زيارة السيد الرئيس" لمنير راضي المقتبس عن رواية ليوسف القعيد و"البحر بيضحك ليه" لمحمود القيلوبي و"هرمونيكا" لفخر الدين نجيدة، و"سوق المتعة" لسمير سيف، ثم آخر أدواره السينمائية الذي اختطف فيه النجومية من البطل أحمد السقا في فيلم"إبراهيم الأبيض" للمخرج مروان حامد.
بالنسبة لي يمكن اعتبار الفنان محمود عبد العزيز مع مجموعة صغيرة من الممثلين المصريين آخرين كمحمود مرسي وأحمد زكي و نور الشريف وعاد إمام، ممثلين بمستوى عالمي إذ لايقلون كفاءة وتمرسا وموهبة وخبرة عن أي كان من الممثلين الأجانب مهما بلغت درجة موهبتهم.